منصور النقيدان
طرحت بعض المقالات التي أثارتها الصحافة التركية في الأسابيع الماضية شكوكاً حول الدور المريب للساسة الأتراك فيما يخص علاقتهم بـ«داعش»، منها أن أحد أسباب هذا الوضع المريب للأتراك هو القناعة المتزايدة بأن السلطات التركية دعمت في وقت سابق الميلشيات الإسلامية في تركيا وغيرها من الدول، ومن ضمنها الميلشيات التي أسست «داعش» في سوريا.
إن مزاعم وجود علاقة بين تركيا و«داعش»، هي أعمق بكثير من مجرد التغاضي عن حركة مقاتلي التنظيم على الحدود التركية، وتسهيل دخولهم للأراضي التركية.
وما نشرته مجلة «بيلد» الألمانية مؤخراً من فقرات وردت في تقرير مسرب للمخابرات التركية ويؤكد فيه وجود سبعة مخازن للأسلحة تتبع لـ«داعش» في مدن تركية، بما فيها العاصمة أنقرة، يطرح الأسئلة الحقيقية والواقعية التي يجب على الحكومة التركية الإجابة عليها عاجلاً أو آجلاً.
ومن هذه الأسئلة، ما سبب استخدام «الجهاديين» لبلدة «ريحانة لي» بتركيا، كمركز تسوق شخصي كل هذه المدة الطويلة؟ ولماذا سمح للجرحى من المليشيات تلقي العلاج في مستشفي «هاتاي»؟ بل لماذا تمكن «داعش» من تأسيس مستشفى خاص به في مدينة «ريحانه لي»، ولماذا أصبح إدخال السلاح والذخيرة الحربية من تركيا إلى الأراضي السورية والعراقية أمراً في غاية السهولة؟ وهل سمحت تركيا بخروج ودخول مقاتلي «داعش» من وإلى أراضيها، حتى أنها سمحت لهم بتلقي التعليم داخل أراضيها؟
نشرت جريدة «زمان» التركية بتاريخ 23 أغسطس الماضي مقالة عن موقف تركيا المثير للجدل تجاه «داعش»: «يجب أن تتخلي تركيا عن موقفها المثير للشك تجاه داعش»، مشيرة إلى أن الكثير من الدول بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وصولاً إلى إيران، قد سعت بشكل حثيث نحو تشكيل ائتلاف دولي كبير يهدف إلى التصدي لتنظيم «داعش»، مما يعني تعرض تركيا لمزيد من الضغوط لتوضيح موقفها من هذا التنظيم، ومن ثم -حسب المقالة- فإن هناك العديد من التساؤلات التي تدور في الأفق بشأن موقف تركيا تجاه تنظيم «داعش»: «هل ستنضم أنقرة إلى هذا الائتلاف؟ أم ستترك التعامل مع هذا التنظيم للآخرين وتكتفي بالمشاهدة؟، فأنقرة إلى الآن لم تتخذ أي خطوة حيال الرهائن الـ(49) المختطفين من قبل داعش، بل لقد استخدمتهم كذريعة لموقفها الاستثنائي لأقصى درجة من التنظيم، فأنقرة تعلم تمام العلم أن إعادة هؤلاء الرهائن سالمين إلى بيوتهم، هي من مسؤولية القادة الأتراك.
ولكن المشكلة تتمثل في أن اتخاذ أي موقف حيال داعش، سيجعل من الصعب استمرار موقف تركيا الحالي الذي يتحاشى بشكل واضح اتخاذ أي موقف تجاه داعش».
وأياً يكن، فإن هذه المقالة وغيرها كثير قد نشرت قبل أكثر من شهر، فقد أطلق بعدها سراح الرهائن أخيراً وتكتم المسؤولون الأتراك عن كشف أي من تفاصيل الصفقة، وأعلن الرئيس التركي أردوغان أمام العالم أن تركيا مستعدة الآن للقيام حتى بأعمال عسكرية تستهدف الإرهاب وتنظيماته بما فيها «داعش». وتركيا حليف قوي لأميركا، وهي عضو في «الناتو» وعلينا أن ندرك جيداً أن الموقف التركي ليس له إلا أحد احتمالين: أن تركيا تسعى فيما يتعلق بملف الإرهاب إلى تحقيق استراتيجية خاصة بها، والثاني، أن الأتراك قد كشفوا لحلفائهم منذ البداية الخطوط العريضة لطبيعة علاقتهم بـ«داعش» طوال الفترة الماضية إلى حين إعلان أنقرة الانضمام للتحالف الدولي ضد «داعش» بعد تمنع ظاهري في الفترة الماضية.
كان الصمت حيال الأخبار المنشورة خاصة في الصحافة الأميركية والألمانية، التي تتهم تركيا بالتعاون مع «داعش» بناء على المعلومات المسربة من أجهزة المخابرات السرية لهذه الدول، مبرراً لكثير من الأسئلة!