منصور النقيدان
قبل خمس سنوات وفي حديث خاص دار بين ولي عهد دولة خليجية وبين أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكانت السياسة الإعلامية لقناة «الجزيرة» هي محور الحديث، كانت السوالف ودية وصريحة: «يا شيخ حمد تعرف أنني لا أسمح لأبنائي بمشاهدة القناة إلا بحضوري، وأنني أحتاج ساعات حتى أخلصهم من التأثير السام الذي تبثه القناة، أتمنى أنك تعرف جيداً خطورة هذا الوضع عليكم وعلى أشقائكم»، ابتسم الأمير السابق، وأجابه أنه هو نفسه يتعرض لضغوط كبيرة بسبب برامج القناة التي لا يملك سلطة عليها!
قبل أن تسمح الرياض بافتتاح مكتب لقناة «الجزيرة» أخذت المفاوضات أكثر من سنة ونصف، حيث كان قطري من أصل سعودي ويعمل في القناة هو الرسول الذي يتردد دائماً حاملاً ملفه وأوراقه إلى الرياض، ليقدم توضيحاً أو ليزيل لبساً، وأحياناً يقوم بتبليغ الاقتراح السعودي للأمير للتكفير عن خطأ أو الاعتذار غير المباشر عن شتيمة تفوه بها أحد ضيوف القناة أو لمسح فِرية وردت في الأخبار لا حقيقة لها، تضر بأمن السعودية واستقرارها.
الأخطاء قد تقع حتى من الكبار، ومنها ما يكون على ضخامته دافعه الحقيقي حماية البلاد والأشقاء من أنفسهم، ومن أن يكونوا لقمة سائغة بيد لاعبين كبار يستغلونهم ويحقنونهم بخلَّب الأماني. بعض من الأخطاء قد يكون ألمه عميقاً وطويل الأثر، وسبباً في تلبُّد الغيوم وخيبة الأمل، والشعور بالخوف، وهي قد تقع من الأخ والجار والحليف أحياناً، ولكن ليس ثمة شيء نهائي لا يمكن إصلاحه، والسياسة هي دائماً فن إدارة الأزمات والمشاكل وتقليل الخسائر والحفاظ على الأسس الحقيقية: أمن واستقرار دول الجزيرة العربية. خلافك مع شقيقك، لا يعني أن تدمر كل صلة وتهتك كل ناموس وعهد ووشيجة لإشباع نزواتك.
بعضاً من الحنان بأبناء هذه الجزيرة، التي هي أمنا التي درجنا فوق أرضها، وظللتنا سماؤها، وآوتنا ظلال نخيلها، وشكلتنا تضاريسها، ورسمت سحناتنا رياحها وسمومها، ونبع منها أعذب الشعر وأرقه الذي رددته سهولها وصحاريها وأنجادها. وفيها درج أعظم النبلاء وأشهر المحاربين وأشجع العرب وأكثرهم صدقاً ونبالة وصفاء.
أحقاب من التاريخ لم تكن فيه هذه البقعة شيئاً مذكوراً، حتى بعد ظهور الإسلام على الدين كله، وتفجر الخيرات بعد الفتوح، لقيت هذه الجزيرة العقوق والإهمال من الخلفاء الأمويين والعباسيين ومن الملوك والأمراء، وزاد الأمر مع العثمانيين سواء، وغدت هذه الجزيرة وأطرافها قروناً من التاريخ مختبراً لكل النِّحل والأفكار والعقائد المنبوذة من المركز، حتى آذن الله بانبلاج فجر جديد، وانتُشلنا من الفاقة والفقر.
عاشت هذه البقعة عقوداً في حروب التأسيس ذهب ضحيتها الألوف وكثير من الأبرياء، وزالت في حومتها زعامات وسقط ملوك، وتلاشت ممالك ودول. ولكن لو أن مؤسسي الدول العظام أطلقوا العنان لتلك الإحن وسخائم النفوس والثارات بأن تبلغ مداها وتأكل الأخضر واليابس، لما استقرت دول مجلس التعاون، ولما حل الأمن في ربوع الجزيرة العربية.
في ربيع العام 2013 كانت هناك بادرة قطرية مطمئنة، حين شعر بعض المسؤولين المخلصين بأن أمنهم من أمن جيرانهم وأشقائهم، وأن مصلحة المجلس أهم من الميول الفكرية والسياسية لبعض أبناء الأسرة الحاكمة المتنفذين، فقاموا بتوجيه من الأمير الحالي الذي كان ولي العهد وقتها بتسليم أحد المطلوبين إلى السعودية رغم معارضة قوية من أحد صناع القرار.
يقال إن الإمام محمد بن سيرين كان يوماً بين مريديه، فوقعت مشاحنة بين اثنين منهما، فقال «على رسلكم، ارفقوا ببعضكم، فأنتم أقل الناس».
جريدة الاتحاد
الاثنين 09 جمادى الأولى 1435هـ – 10 مارس 2014م