منصور النقيدان
تاريخ الجماعات الدينية والأحزاب السياسية متخم بالانشقاقات والخلافات، فمن المعهود أن تأكلَ الخلافاتُ الأخوة، وتفتك المصالح والأطماع الشخصية برفقاء الدرب الذين قضوا عقوداً من النصرة والتحالف والتآلف، حيث يتخذ القرآن والشرع وسيلة للتمرد، وذريعة للثورة، وسلطة لخداع العامة وسوقهم، ولكن حين يأتي وقت قطف الثمار، وتلعب حميا الرئاسة وزهرة الحياة الدنيا بالعقول والنفوس ويشكل صعود طرف أقوى خسائر للآخر؛ يتهاوى كل شيء.
إن إعلان رئيس الوزراء التركي أردوغان عزمه إغلاق مراكز فصول التقوية بمثابة المسمار الأخير في نعش علاقة التعاون بين حزبه و«جماعة خدمة» التي يقودها فتح الله جولن، كبرى الجماعات الإسلامية في تركيا، حيث يذهب بعض المحللين، إلى أن العلاقة الوطيدة بين العدالة والتنمية الممثل للإسلام السياسي التركي، وجماعة فتح الله جولن، التي تمثل الإسلام الاجتماعي، تتجه نحو صدام أكبر وفراق لا ائتلاف بعده.
فبعد علاقات تعاون وطيدة تطورت إلى مستوى «الشراكة» منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 وحتى عام 2010، أخذت هذه العلاقة تسير في منحنى الهبوط والتدهور عبر عدد من الأزمات؛ انتقد فيها «الشيخ فتح الله جولن» وحركته سياسات أردوغان. وفي المقابل بدأ أردوغان الذي تمرد في نهاية التسعينيات على الأب الروحي للإسلام السياسي وزعيم الحركة الوطنية نجم الدين أربكان، يعود الآن إلى لمّ شتات بعض حلفائه القدامى في الحركة الوطنية، في محاولة منه لتعويض الانقسام والخسائر التي نتجت عن صدامه مع فتح الله جولن، الذي وصف العدالة والتنمية بأنهم «يغلقون أبواب الجنة على الناس». إن أبناء الإسلام السياسي هم الأقدر دائماً على فهم بعضهم بعضاً، واستمتاع بعضهم ببعض، ولكن هذا النوع من التحالف مرشح دائماً للانهيار، إذا أصر الأقوى فيهما على الاستحواذ وتهميش الطرف الأضعف، وهو ما نشهده الآن.
ظهر الخلاف الأساسي الأول عندما انتقد «جولن» سماح حكومة العدالة والتنمية لسفينة «مافي مرمرة» بالتوجه إلى سواحل غزة ودخول المياه الإقليمية الإسرائيلية دون الحصول على تصريح رسمي. وقد تبنت حركة «جولن» هذا الموقف لأن منهج «جولن» يقوم على التدرج البطيء في بناء النفوذ والتغلغل. وهذا التدرج والبعد عن الصدام مع الساسة هو تقليد راسخ في الجماعة، حيث لم يسبق أن قامت الجماعة بالدعوة إلى مظاهرات أو مسيرات احتجاج، بل كانت على الدوام تتجنب أي احتكاك، وإن كانت بعض تصريحات «جولن» في نهاية التسعينيات من القرن الماضي قد تسببت بإحداث أزمتين نتج عنهما ابتعاده لسنوات في أميركا، حيث توطدت علاقاته أكثر وارتبط أيضاً بصلات وثيقة مع منظمات دولية مؤثرة.
وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي اضطر بولنت أجاويد رئيس الوزراء التركي الأسبق إلى التدخل مرتين لصالح «جولن» بعدما تسببت تصريحاته بردود فعل واسعة داخل المؤسسة العسكرية وخارج تركيا مع أوزبكستان، وهو ما يؤكد العلاقة الجيدة التي حافظت عليها الجماعة مع حكام تركيا السابقين، منذ ظهورها في الثمانينيات، في ذروة نفوذ العسكر.
إن التحالف الذي ربط بين العباسيين وبين آل البيت، انتهى بمآس وأحزان حين وصل العباسيون إلى الحكم، وقضوا على أبناء عمهم، الذين شاركوهم في الثورة، وكان ألق العلويين الاجتماعي وحب الناس لهم الداعم العاطفي لثورة أبناء عمومتهم. وكانت ثورة النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن وأخيه إبراهيم ضد بني العباس تعبيراً عن ذلك.
جريدة الاتحاد
الاثنين 13 صفر 1435هـ – 16 ديسمبر 2013م