منصور النقيدان
كون الإمارات اليوم هي الدولة الأكثر تطوراً والأكثر جاذبية وإلهاماً بنموذجها السياسي والاجتماعي، استقراراً وأمناً ورفاهاً ورغد عيش وسعادة ورضى، فإن لهذا كله حق زكاته، لصالح مواطني الإمارات ولفائدة إخوانهم من أبناء الخليج. والتاريخ يؤكد لنا أن أي نهوض حضاري لأي مجتمع، لا يكون قاصراً على مجال واحد، بل يكون قاطرة تجر وراءها أخواتها، على كل المستويات ثقافياً واقتصادياً ومعرفياً وفكرياً. وفي هذا السياق يأتي إدراك المواطن لحقيقة دوره، والمثقف لرسالته، أي أن العمران الذي تشهده البلاد، هو عمران في الإنسان أولاً، وفي المثقف وشادي المعرفة، في اليافعين، والشباب. باختصار في تنمية العقول.
وفي هذا السياق يأتي ما ذكره الدكتور علي بن تميم في لقائه مع قناة «الحرة»، من أن المثقف الإماراتي أصبح واعياً بكل المؤامرات التي تحاك ضد بلده، ضد سلمه الاجتماعي، وألفته التي جللت كيانه عقوداً منذ تأسيس الاتحاد.
في الفترة السابقة كان هناك شعور بأن المثقف الإماراتي يحاول تجنب الحديث عن القضايا الحساسة، وبالتحديد عن التنظيم السري لـ«الإخوان»، عن رموزه والممثلين له، بل كان هناك حرص على عدم التطرق لوجود هذا التنظيم أصلاً، ولكن أيضاً لا يمكن إلقاء اللوم على المثقفين لوحدهم، فقد كان الجميع يحتاج إلى اكتساب القوة، والإلهام، والتشجيع من القيادة، التي أدركت أهمية القيام بهذا الدور، كي تمنح الطمأنينة لأبناء الوطن الصادقين، وتشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأن ظهورهم محمية، وأنهم لن يجدوا أنفسهم عرضة للنبال من كل جانب.
جاءت الرسائل الواضحة من القيادة بأنكم لستم وحدكم. نعم ربما يسعى الأعداء لتشويه سمعتكم، ولكنكم لستم وحدكم. سيفترون ويخلقون الأكاذيب ويصورونكم عملاء، وأناساً لا مبادئ لهم، ولكنكم لستم وحدكم. لن يدخروا وسعاً في إظهار بلدكم وإظهار قيادتكم وإظهاركم أنتم على أنكم لستم إلا ورقة في مهب الرياح، ولكنكم لستم وحدكم. كان كل مثقف وكل شاب وكل كاتب إماراتي بحاجة إلى أن يجد الدعم والضوء الأخضر لكي يؤدي دوره الواجب عليه، الذي تحتمه عليه وطنيته، وكونه إماراتياً يفخر بانتمائه وولائه العميق لبلده. لهذا لم يكن غريباً أن نتفاجاً بعشرات الكتاب والمثقفين والأكاديميين والباحثين الإماراتيين يؤدون دور التوعية بكل شجاعة وثقة.
«طارئون ومستجلبون» هو التوصيف الموفق الذي اختاره بن تميم لوصف «الإخوان» الإماراتيين، فالطارئ الذي لا جذور له، والذي يحمل في بنيته أسباب رفضه، وعدم تكيفه وانسجامه، يكون مصيره النبذ واللفظ.
نعم. حان الوقت ليتولى المثقفون الإماراتيون زمام المبادرة لتوعية وقيادة أبناء الخليج -وليس فقط الإماراتيين- بحقيقة وأبعاد هذا السرطان، الذي استشرى بلاؤه وتغلغل في مفاصل التربية والتعليم وكثير من المؤسسات في أكثر من دولة خليجية، الإمارات اليوم تعافت تماماً من هذا البلاء، لأنها تنبهت مبكراً وعملت على تحجيم الورم ثم استئصاله، وبقي الجزء الأهم، وهو التوعية المستدامة، بمخاطر هذه التنظيمات.
وتأتي أهمية ما ذكره بن تميم، من كونه كشف عن رؤية قامة ثقافية تشارك ليس فقط في توعية المجتمع بخطر الجماعات الإسلامية، وإنما تسهم في التنظير والعمل على أرض الواقع لرؤية وطنية صلبة، تتهاوى أمامها مساعي الأعداء والعملاء الذين كانوا لسنوات يحتلون الصدارة في وسائل الإعلام الخارجية، ويقدمون أنفسهم على أنهم نخبة المجتمع الإماراتي، ولا أحد غيرهم. وفي الحقيقة أن البقاء في الظل الذي رضيه مجموعة من الكتاب والمثقفين لسنوات، كان مضراً إلى حد كبير، وسبباً في إعطاء صورة غير حقيقية عن مثقفي الوطن وكتابه وخيرة عقول أبنائه.
جريدة الاتحاد
الاثنين 02 ذي الحجة 1434هـ – 07 أكتوبر 2013م