منصور النقيدان
التطورات الأخيرة في الملف السوري، تدفع الجميع إلى إعادة التفكير حقاً بمستقبل الأوضاع في سوريا، ما يوجب على الدول الضالعة في الحرب الأهلية السورية تسليحاً ودعماً ورفداً بالمقاتلين، أيضاً أن تعيد التفكير. إن ما حصل هو انتصار كبير للدبلوماسية الروسية، وإعلان صريح بأن روسيا أصبحت لاعباً كبيراً، في منطقتنا، بعد أن حققت حلماً سوفييتياً كاد يتلاشى من ذاكرتها.
ويمكن القول حسب الباحث المصري طارق عبد الجليل إن تركيا الآن بدعمها للمعارضة سواء السياسية أو العسكرية كانت ترى أنها قادرة على القضاء على بشار الأسد، وإعادة رسم محددات الدولة السورية الجديدة، حيث اعتقدت أن «الإخوان المسلمين» لديهم القدرة للوصول إلى السلطة في سوريا كما وصولوا إليها في تونس ومصر، وهو ما يعزز من نفوذ تركيا في منطقة الشرق الأوسط نحو الاضطلاع بدورها في بناء الشرق الأوسط الجديد. ويبدو أن كل هذا قد تبخر الآن. ويبدو أيضاً أن على المعارضة التركية أن تدرك خطورة المغامرات التي أقحم الإسلاميون بلادهم فيها. إن ما اقترفته يد أردوغان يحتاج سنوات لترميمه.
ولكن حسب رأي عبد الجليل فإنه حتى لو انتهت الأزمة في سوريا لصالح المعارضة السورية، فإن الندوب العميقة، التي ارتسمت على جـسم العلاقات التركية مع دول الجـِـوار، لن يمكن تجاوزها بسهولة، فكيف إذا بقي النظام؟ أو حتى عمَّـت الفوضى في سوريا والمنطقة، وخصوصاً أن تركيا أول المتأثرين بالنِّزاعات العِرقية والمذهبية؟ بل لسبب أساسي، أنها لم تستطِع حتى الآن حلّ المشكلة العَـلَوية ولا المشكلة الكُردية.
من المهم الإشارة إلى أن التصوّرات الأميركية والأوروبية عن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا تختلف بدرجة كبيرة عن الصورة السائدة عن فصائل «الإخوان المسلمين» في مصر وتونس أو أي مكان آخر. مثلاً، تفضّل خدمة أبحاث الكونجرس في واشنطن عدم وصفه بـ«الإسلامي» مطلقاً، بل التعريف عنه بأنه ليبرالي اقتصادياً، ومحافظ اجتماعياً. وفي الواقع، فإنّ مؤسسات صياغة السياسات كـ«معهد واشنطن» التي تنظر إلى منتسبي «الإخوان المسلمين» كخصم، قد تعاطت بتفاؤل مع «حزب العدالة والتنمية» بل اقترحته نموذجاً ديمقراطياً بديلاً عن الأحزاب الإسلامية في العالم العربي.
وخلافاً لما هو شائع فإن دعم «حزب العدالة والتنمية» لجماعات «الإخوان» في الدول العربية شكّل نقطة خلاف مع واشنطن، بما في ذلك إدارة أوباما لسبب غير مباشر: علاقة «حزب العدالة والتنمية» مع «الإخوان» في مصر و«حماس» كانت ذات انعكاسات سلبية على علاقة تركيا بإسرائيل من جهة، وبعدد من دول الخليج من جهة أخرى. وهذه التداخلات تتعارض مع استراتيجية أوباما للأمن الإقليمي التي ترتكز على مبدأ الوساطة الأميركية بين حلفاء أميركا الرئيسيين.
يرى عبدالجليل أن «العدالة والتنمية» يمر بواحد من أصعب الاختبارات التي قد تحدد مصيره في تركيا، وخاصة أن بقاء نظام الأسد أو رحيله لن يغيِّر من الخسائر السياسية والدبلوماسية التي تكبدتها تركيا مع جيرانها، لاسيما العراق ولبنان ومصر وإيران. وهو ما يدفع إلى القول إن تركيا أضحت بحاجة ماسة إلى مراجعة سياساتها الخارجية وعلاقاتها بدول الجوار.
أخيراً فإن علينا ألا نستاء أبداً من التطورات الأخيرة، فإن أسوأ ما يمكن أن نتصوره هو حروب أخرى، ولا بؤس أكبر من أن يتحول كتابنا ومثقفونا إلى أبواق حروب تأكل الأخضر واليابس، علينا أن نكون دعاة سلام، وعسى الله أن يكتب لسوريا وأهلها الأمن والوئام.
جريدة الاتحاد
الإثنين 16 سبتمبر 2013