منصور النقيدان
لا يمكننا أن نهمل دور الفن والسينما والدراما في التأثير على الجمهور، على الشباب والكهول، وعلى المتعلمين والعامة. اليوم أصبح الفن السابع من وسائل التأثير في الجمهور العريض، وتحول الترفيه أيضاً إلى أداة يمكن عبرها بث الرسائل السياسية، وإثارة الجمهور، وصياغة العقول، وتقديم ثقافات الآخرين بالصورة التي يهدف إليها المنتج والممول والراعي الخفي والمعلن، حيث يمكنك عبرها أن تشوه وتعبث بالتاريخ، أو أن تجعل من قصة هامشية إلهاماً يحتذى وأسطورة تزداد خلوداً على مر الزمان. يمكنك من خلال الوثائقيات أن تختزل التاريخ أن تظهر ما تريده من الجوانب، وتخفي أخرى، لتؤكد الرسالة المقصودة المباشرة أو المبطنة. وأما السينما والأعمال التلفزيونية فهي الأخطر والأكثر انتشاراً، هل يمكننا أن نتغافل عن تأثير فيلم «لورنس العرب»، أو «الدكتور زيفاجو» أو «عمر المختار»، أو «المملكة»؟
هل تذكرون فيلم «رواندا هوتيل» وتأثيره العميق في كل من شاهده؟ يمكننا أيضاً أن نتذكر أفلاماً أخرى مثل التونسي «عصفور سطح»، وكلنا نتذكر تأثير فيلم «آلام المسيح»، وغيره من الأفلام ذات التأثير العميق في مشاهديها.
إن هوليوود هي واحدة من أعظم وسائل الدعاية للثقافة الأميركية، والدعاية المضادة التي استهدفت عقوداً الاتحاد السوفييتي، وكوبا، والصين، وغيرها. واليوم يبدو أن المواجهة بين اللاعبين الكبار في منطقتنا تنتقل إلى الدراما، إلى السينما، إلى مخاطبة الغرب وليس الاكتفاء فقط بأعمال توجه للمشاهد العربي. اليوم تطورت اللعبة ونقلت إلى مستويات أكثر تقدماً، فالقصد الآن هو التأثير في الرأي العام الغربي، وعلى المثقفين والفنانين، ومن ثم إثارة إعجاب وإدهاش صناع القرار. علينا أن نتذكر أن هناك سياسيين ذوي تأثير في القرارات، ولكنهم أيضاً من السذاجة جداً يمكن أن يؤثر فيهم فيلم سينمائي ويكون ذا تأثير عميق في رؤيتهم، ومصدراً لموقفهم من الآخر، من ثقافة بلد ما، ومجتمع، وديانة، وحضارة. وعلى هذا عاشت أوروبا وأميركا عشرات السنين تحت تأثير الرسائل السلبية للسينما التي تظهر العرب والمسلمين وقياداتهم في أسوأ صورة.
اليوم تواجه دولنا حملة كبيرة من التشويه والمؤامرات، وتأتي هذه الأعمال الفنية والسينما لتكون أحد مجالات هذا الاستهداف، والواجب علينا ألا نقف ونترك هذا المجال لكل من أراد أن يسيء لبلادنا وحضارتنا وثقافتنا، وإذا رضينا بالصمت والمواقف السلبية فإننا سنشاهد أعمالاً أكثر وحرباً أكبر.
إن النوم في العسل هو الذي جعل من قناة «الجزيرة» المنتج الأضخم للوثائقيات الناطقة باللغة العربية عن القضايا المصيرية، والمنعطفات الكبيرة، والمحتكر بشكل رئيسي لأي وثائقيات عن الإسلام وحضارته، وعلمائه، ولا أدري سبب هذا التكاسل أمام هذه الحركة الضخمة التي خطط لها منذ عقدين، إن قناة الجزيرة تقوم بإعادة كتابة التاريخ، وهي اللاعب الوحيد الآن في الساحة!
وعلينا عدم الاكتفاء بالمنع أو الاحتجاج أو الاكتفاء برفع الدعاوى، بل لابد أن تكون هناك مبادرة، برصد أموال ضخمة، لدعم المجال الفني من سينما ووثائقيات وتلفزيون، وإنتاج أفلام على درجة عالية من المهنية والتأثير بمستوى هوليوودي، لإنتاج أكثر من عمل فني يظهر الجوانب الجميلة والعظيمة في قصة تأسيس بلادنا ونشأتها، وقصة التطور، وعلينا أيضاً أن نتغاضى في الوقت نفسه عن بعض المنغصات والجوانب التي لا يمكن الرضا عنها.
ومن المهم التعلم من التجارب وأن تكون هناك مبادرات لا ردود أفعال، بدلاً من أن نستيقظ يوماً ونتفاجأ بأننا محاطون بكم هائل من الأعمال السينمائية التي دخلت كل بيت وأثرت في صياغة العقول وكونت جيوشاً من الأعداء تجعل منا في نظرهم حقاً «ممالك من رمال».
جريدة الاتحاد
الإثنين 03 ذي القعدة 1434هـ – 09 سبتمبر 2013م