سليمان بن علي الضحيان
منصور النقيدان وأبو حامد الغزالي يجمع بينهما وجوه اتفاق كثيرة فكلاهما يتميز بذكاء حاد يدفعه دائما إلى السؤال والبحث والتنقيب ، وكلاهما يتميز بروحانية صوفية عميقة ، ونفس قلقة شفافة ، وكره عميق للمظاهر الخداعة ، وتوق دائم إلى الحرية والانطلاق بعيدا عن قيود الآخرين ، وإذ يتميز أبو حامد الغزالي بجَلده على التصنيف حيث خلف موسوعة ضخمة من المؤلفات ، فإن ثمة عيبا لدى الغزالي وهو تلون خطابه فله أربعة خطابات خطاب مع العوام وخطاب مع العلماء وخطاب مع جلسائه الخاصين وخطاب مع نفسه لا يطلع عليه غيره ، وهو يدعو إلى ذلك ويرى أنه من الحصافة ومما ينبغي للعالم أن يستعمله مع غيره ، وعلى النقيض من ذلك تماما منصور فهو يتميز عن الغزالي بصدقه مع نفسه ومع الآخرين ؛وهي لعمر الله صفة أندر من الكبريت الأحمر – حسب تعبير القدماء – فحتى ساعتي هذه لم أقابل عالما أو طالب علم أو مثقفا مثل منصور في صدقه مع نفسه ومع من حوله فحياته وفكره وقناعاته صفحة مفتوحة يمكن لكل مجالس له أو قاريء أن يقرأها فلا شيء من قناعاته وأفكاره ورؤاه يخفيه عن الآخرين ، وقد يظن بعض القراء أن هذا الصدق الذي يتميز به منصور إنما هو وليد أن ليس لديه من المكتسبات ما يخشى من خسارتها ، والحق أن منصورا ضحى بكثير من المكتسبات من مادة وجاه وصداقة وعلاقات مع متنفذين في سبيل قناعاته ورؤاه وأفكاره ، بل أحيانا وصل إلى حد التهور- في نظر الكثيرين – في تضحياته ، ولا أجد أحدا مثله يصدق عليه القول المنسوب للإنجيل( ماذا تستفيد إذا كسبت العالم وخسرت نفسك ) ، فكل تحولاته الفكرية ومواقفه النقدية وجدااله مع الآخرين هي رحلات متتالية في سبيل ربح نفسه مضحيا بالعالم من أجل كسبها ، فميزة الصدق مع النفس ومع الآخرين أبرز الصفات الإنسانية لدى منصور .
وثمة لديه صفة أخرى مكتسبة وهي قدرته المدهشة على الكتابة ، فقد امتلك أسلوبا آخاذا يأسر الألباب ،فأسلوبه سلس بعيد عن التكلف والتقعرواللعب على المصطلحات كما شاع في الكتابات الفكرية الحديثة ، فهو خليط من الأدب القصصي والفكر ، وهو أسلوب نادرا ما يجيده إلا القلائل ، وأذكر منهم طه حسين ، وحسين أحمد أمين ، وأنيس منصور في كتابه ( في صالون العقاد ) ، وهو أسلوب اقرب إلى الحديث الحميمي بين صديقين ، يدفعك من حيث لا تشعر إلى إكماله ، فهو غير متقيد بالمنهجية الأكاديمية في الكتابة وهي طريقة أقرب إلى التصنع والتكلف ، وبعيد عن طريقة الكتابة التراثية وهي طريقة جافة تهتم بالألفاظ الفخمة على حساب المعنى ، ولهذا كنت أقول وما زلت ( منصور خـُلِق ليكون كاتبا ).
14 ربيع الثاني 1429 هجري
المصدر
http://burnews.com/articles-action-show-id-646.htm