منصور النقيدان
بعد اقتحام الثوار الليبيين قصور ومخادع العقيد الراحل معمر القذافي، انكشفت للعالم وجوه أخرى لم نكن نعرفها عنه من قبل، من أكثرها إدهاشاً وإثارة للأسى عشرات الصور التي كان يحتفظ بها في غرفة نومه، كاشفة عن حب عميق وعشق كان يحمله القذافي بين جوانحه لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.
تكشف الرسائل المتبادلة بين المفكر الفرنسي رومان رولان وغاندي وطاغور، أن “روح الهند العظيم” كانت لديه صفات طفولية منها انبهاره بالاستعراضات والأبهة وإعجابه بموسوليني، كما تكشف لنا مشاعر الكره والاحتقار التي كان يختزنها طاغور وابن أخيه وبعض قادة المسلمين لغاندي، وقد نبعت تلك المشاعر من مواقف وقصص وآراء للمهاتما، وإذا قرأنا سيرته الذاتية “تجربتي في البحث عن الحقيقة” وما كتبه “ديورانت” في “دفاع عن الهند” فسنعرف أن محرر الهند الذي تعاطف مع المنبوذين، وتبنى صبيتين اثنتين من الطبقة نفسها، كان يؤمن بعمق بنظام الطبقات والطوائف في الهند، وبوجوب استمراره وبقائه، مفوضاً مستقبل المنبوذين في الحياة الأخرى لحسن أفعالهم في هذه الحياة الدنيا، لقاء ما يعانونه فيها، وقد سببت بعض رسائل الأم “تيريزا” التي كشف عنها من قبل خزائن الفاتيكان بعد وفاتها صدمة كبرى، حيث وثقت فيها شكوكها بيسوع المخلص والحيرة التي اكتنفتها، وتسلط الضوء على صراعها وعذابها مع الإيمان، والجفاف الذي كان يلف حياتها في فترة طويلة من حياتها امتدت عشرين عاماً، منذ منتصف الخمسينيات وحتى نهاية السبعينيات.
وقبل عامين كشفت وثائق وشهادات تاريخية ممن اطلعوا على خفايا حياة غاندي أن سبب هجران زوجته له، لم يكن لتبتله وانشغاله بقضية تحرير الهند، بل لأن روح الهند العظيم كان يختبر عفته برقوده عاريّاً كما خلقه الله، مع بعض التابعات له، من الإناث اللواتي كان يمثل لهن المثل الأعلى. وتكشف هذه الوثائق أن هذه الفلسفة الغريبة في الصراع مع الشهوة، واختبار العفة، تسببت بشرخ في العلاقة بين جواهر لال نهرو وبين الزعيم العظيم، وبغضب أزواج بعض السيدات اللواتي كان غاندي يدعوهن للاستحمام معه أو الرقود معه. هذه الوثائق التي نشرت قبل عامين في كتاب “غاندي: طموح عارٍ” للكاتب البريطاني “جاد آدمز”، الذي اعتمد على مئة كتاب وعلى مذكرات طبيبته الخاصة سوشيلا نايار شقيقة سكرتيرته، والسيرة الذاتية التي كتبها مهاديف ديساي، وحفيدة أخيه. ويؤكد “آدمز” أنه كان أول من اطلع عليها، وأن هذه الوقائع كانت موضوع نقاش أثناء حياة غاندي بين الدائرة المحيطة به، ولكنه بعد وفاته رفع إلى مرتبة الأيقونات المقدسة، مشيراً إلى أنه منذ صدور كتابه لم يواجه أي احتجاج أو دعوة إلى عدم نشر كتابه.
إن اكتمال الصورة في عالم الإنسان قد يكون من أكثر الأشياء ندرة وربما أكثرها صعوبة، ولست أعني بالكمال الطموح إلى المثالية والسعي للدفع بالواقع والتجربة إلى مستوى الأهداف والآمال والأحلام، وإنما أعني صورة الأشخاص من الملوك والمفكرين والأنبياء والمصلحين والقادة العظماء والأدباء، وعلى المغرمين بتحطيم المثل العليا من بني البشر الفانين أن يحفروا ويسائلوا ويقلبوا الوثائق ويحفلوا بالكلمة العابرة والإشارة الخاطفة. ولكن الغريب في عالم النفوس هو أن بعض الشخصيات تحتفظ بألقها وتأثيرها على أتباعها وسحرها الأخاذ حتى بعد أن تتكشف وجوهها المظلمة، وهذا ليس غريباً فحتى الطغاة والسفاحون لهم سحرهم. وتبقى بعض الشخصيات مكروهة أو منبوذة عند مجتمع ما حتى بعد أن يتكشف الوجه المضيء والصفات الخيرة فيها. وهذا من أسرار عالم النفوس، فـ”لهوى النفوسِ سريرة لا تـُعلمُ”.
الاتحاد تاريخ النشر: الأربعاء 04 أبريل 2012