منصور النقيدان
يروي أقرب الناس إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أنه لم يضرب قط صبية ولا امرأة. وكتب السيرة والشمائل النبوية تؤكد أنه كان دائماً هو الجانب الأكثر لطفاً ورقة ورحمة. وكن يغلبنه ويسببن له الحزن أحياناً، وسورة التحريم شاهدة على ذلك. أتدرون أنه دخل على امرأة ليلة عرسه بها، وحين جلس إليها قالت له: “أعوذ بالله منك”، فقال لها: “لقد عذتِ بمَعاذ”، واحترم رغبتها، وتركها تمضي إلى أهلها، ولم يطالبهم بشيء، ولزم الصمت حتى لا ينعكس ذلك سلباً عليها، ولا يمنع الخطاب منها، لأنها تطاولت عليه.
ومع هذا لم تسكت النساء، فقد أشعن بين نسوة المدينة أنه وجد في جسدها برصاً، فردها إلى أهلها.
لم يقل وأنا رسول الله، وسيد العرب، وأعظم من عرفته البشرية، كيف لمثل هذه أن تنفر مني؟ لم يسمح لأحد بأن ينالها بكلمة، ولا أن يعيرها، أو يقرعها؟ وهذه هند بنت عتبة أم معاوية وقاتلة حمزة، تبايعه على الإسلام، وحين تلا عليها أن المؤمنة الصالحة هي التي لا تقتل أولادها، قالت: “لقد ربيناهم صغاراً، وقتلتهم أنت وصحبك كباراً”، فتجاهلها، وضحك عمر بن الخطاب، حتى سقط على ظهره.
احترام المرأة عنوان التحضر، وضربها بالعصا أو بالهراوة أو البصق عليها، دليل على الهمجية، وتأكيد على أن العقول التي تمارس الاضطهاد ضد الأنثى ليست إلا صناديق متخمة بالجهل والبلاهة.
وفي سورة آل عمران يعيب القرآن على الرجل الذي يضطر المرأة إلى أن تدفع له مالًا أو تعيد إليه ما دفعه بعد عشرته معها، وببلاغة تفوق الوصف يخاطب الرجال: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً)، أي كيف تضاروهن لكي يدفعن لكم مالاً، بعد كل تلك الشراكة واللحظات والليالي التي تبادلتم خلالها الحب، والمشاعر، والبوح، والآلام، والعناء، وبعد العيش والملح؟ أهكذا يفعل الرجال؟!
إن الجدلية التي تعج بها الثقافات والمجتمعات المعاصرة بين قمع الأنثى وتحررها، وبين سحقها وتكريمها، وبين تمكينها من الوصول إلى أعلى المناصب، وحرمانها من ميراثها، وبين حريتها بأن تحب وتتزوج من ترغب، وبين دفنها حية وتشويه جسدها وإحراق وجهها بـ”الآسيد”؛ كل هذا التناقض، من شأنه أن يوصلنا إلى الحلول المعتدلة الوسطى، بتولُّد حالة من الاحترام للمرأة ومساحة كبيرة من الحرية ودوائر مثلها من المحافظة الناعمة. وفي النرويج البلد السعيد، تشغل النساء 40% من مناصب الدولة الرفيعة.
ولكننا اليوم نجد المرأة في أفغانستان تـُحرق ويشوه وجهها لغضب حماتها عليها، وفي الأردن وفلسطين تقوم العشائر بالتواطؤ لقتل الفتاة إذا أحبتْ، وفي كردستان وجنوب تركيا تدفن المرأة حية برضى من الأهل والعشيرة وأبناء العم خشية العار. وعندنا تمنع المرأة أحياناً من حقها في الميراث، وتعامل كما يعامل الطفل والقاصر، حتى وإن كانت سيدة أعمال أو تحاضر في الجامعة.
ما لم نمنح الحرية لزوجاتنا ونساويهن بنا حقوقاً وواجبات، ونمنحهن من الثقة ما نمنحه لأنفسنا، وما يتوقعنه منا ونحن بظهر الغيب، وما لم نساوِ الإناث بالذكور، من دون تفضيل أو حيف، فإن الحديث عن الحريات والحقوق والكرامة، التي نلهج بها ليلًا ونهاراً ليست إلا خداعاً ودثاراً لا شعار تحتها، ودعوى يكشف زيفها الواقع.
ونحن نعلم أن قروناً من التحولات والتأثر والتطور في مسار الأمم جعلت من إيماننا وتديننا، استجابة لأوضاعنا الجديدة واحتياجاتنا، وأن الإيمان الفرح والتدين البهيج، هو ما تسعى إليه البشرية المعذبة، وحين تثور الأنثى وتطالب بحقها، فذلك أمارة على أننا وأبناءنا وأجيالنا القادمة بخير.
تاريخ النشر: الإثنين 12 مارس 2012