ما نشهده هذه اللحظة في الفلوجة والرقة والموصل قريباً وفي ليبيا، هو تعبير عن إرادة دولية لتدمير تنظيم «داعش»، وهدم معاقله وإنهاء أسطورته وظله الكئيب على البشرية وتحرير المدن والبشر من سيطرته. في السنوات الثلاث الماضية كانت الفرصة متاحة لتركيا ودول إسلامية وعربية لكي تقوم بواجبها تجاه تنظيم «داعش»، اليوم تأخر الوقت كثيراً، ولم يعد الحديث عن رغبة دول عربية أخرى في المشاركة أمراً يستحق الاهتمام. تمتلك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا كل الإمكانات لتحقيق ما انتظرناه طويلاً، ومن وراء هاتين القوتين العظميين كل الفئات والطوائف والمذاهب التي كانت ضحية جرائم ونزوات جند «الخلافة»!
ما نشهده اليوم هو ثمرة لجهد دولي لم يتوقف لحماية الإنسانية من شرور ما يسمى بـ«تطبيق الشريعة الإسلامية»، وسحق «خلافة» الظلمات التي كان لدعايتها أثر مدمر على الشباب والمراهقين من أبناء المسلمين حول العالم، وهناك سبب آخر يبعث على الارتياح أبعد من المواجهة العسكرية للتنظيم، فتشظي هذا التنظيم بمقاتليه من شذاذ الآفاق بعد ضربه في عقر داره، لن يجعله بمنجاة من الملاحقة، هذا أولاً، وثانياً أن ضمير البشرية الذي تأذى إثر الجرائم التي ارتكبها، قد ارتقى وعيه اليوم لإدراك الجذور العميقة لهذا الشر، وتقود الولايات المتحدة الأميركية دول العالم المعنية نحو اعتماد الخطة الشاملة لمواجهة ومكافحة الإرهاب وكشف جذوره الفكرية والثقافية والدينية، وفي مقدمتها محاصرة دعايته وتجفيف وسائل تجنيده للشباب عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وضمن هذا التحالف الدولي دول إسلامية تشعر بالمسؤولية، وتقود جهوداً كونية لنشر إسلام معتدل ومستنير. هذه الخطة التي تدعمها الأمم المتحدة وأمينها العام، عبر مكافحة التطرف العنيف وخنق منابعه، وتجريم الأيديولوجية التي تغذيه، هي تجسيد لما يمكن للإرادة الإنسانية المسؤولة ولمجتمعاتها وثقافاتها المتعددة أن تفعله. علينا أن نكون عرباً ومسلمين في أوج هذه الحملة التي ستستمر سنوات، وأن نتجنب عمى الألوان، وألا نكرر أخطاءنا التي اعتدناها دائماً. حاضرنا ومستقبلنا هو بأن نكون ضمن القوى الدولية التي تدعم أي تدمير وسحق لتنظيم «داعش». علينا أن نثبت نوايانا الحسنة الصادقة في مكافحة التطرف والإرهاب، وألا نتذرع بالحجج التي تحجب عنا الحقيقة، وتجعلنا مثاراً للشكوك.
إن المواجهة الفكرية الشاملة للإرهاب والتطرف الإسلامي هي ما تعقد لأجله المؤتمرات والورش والاجتماعات المعلنة والمغلقة، و«خلافة» تنظيم «داعش» هي تتويج لكل المساعي والخطط والبرامج التي حُقنت بها المجتمعات الإسلامية منذ عشرات السنين من قبل الجماعات والتيارات الدينية التي وجدت الدعم والتمكين في المجتمعات الإسلامية لعقود من السنين قبل أن تتجرع المجتمعات الإسلامية والعربية ثمارها السامة، وقبل أن تشعر بعض قياداتها السياسية التي تحالفت مع هذه الجماعات والتنظيمات بخطرها على السلم والاستقرار الاجتماعي.
منذ خمس عشرة سنة والعالم الإسلامي لا يزال يتخبط في ظل تمدد مخيف لفكر الجماعات التي تشعر بغيرة قاتلة، مما حققه تنظيم «داعش». جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي بلا استثناء كانت ولا تزال تسعى إلى بلوغ هذه الغاية التي بلغها «داعش»، ولكنها ما بين متربص بما تؤول إليه الأحوال، وما بين أخرى تتقاتل فيما بينها الآن ويكفر بعضها بعضاً، وتتراشق أحكام التضليل والتبديع والتفسيق وأوصاف «الفئة الضالة» وتسفك دماء بعضها بسبب اختلاف وجهات نظرها وبعض التفاصيل.
علينا أن ندعم ونوجه وسائل إعلامنا وقنواتنا الإخبارية لتغطيات إعلامية غير سامة وغير مضللة، لا تجعل من مبررات الإرهاب أكثر حضوراً من إدانة الإرهاب، فبعيداً عن المجتمعات التي تعيش احتراباً أهلياً وفتناً طائفية، ثمة أسباب أخرى جعلت التنظيم يترعرع وينمو ويتمدد ويخلب ألباب الشباب.